علَّة النَّهي عن الصَّلاة في المقبرة: أنَّها وسيلة إلى الشِّركِ
لا تصحُّ الصَّلاة في مقبرةٍ [1]، وهي الموضعُ الذي يُدفن فيه الأموات، إذا كانت بالفعل مقبرة، لا باعتبارِ ما يكون، كأرضٍ محجوزة لتكون مقبرة ومسوَّرة.
ومِن الدَّليل على ذلك: حديثُ أبي سعيد في السنن عند الترمذي وغيره، وفيه: (الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا المَقْبَرَةَ وَالحَمَّامَ) [2]، فاستثنى منها المقبرة والحمام، كما يدلّ لهذا الحديثُ الصّحيح: (اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ، وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا) [3]، يعني: لا تجعلوها كالقبور؛ لا تصلّون فيها، والمرادُ بها: صلاة النَّافلة، أي: صلّوا النَّوافل في بيوتكم . [4]
وأحسنُ ما قيل في تعليل النَّهي عن الصَّلاة في المقبرة: أنَّ ذلك وسيلة إلى الشّرك [5]، فالمشركون زيَّن لهم الشَّيطانُ العكوف على القبور، ثم استدرجهم حتى عبدوا الصَّالحين، وجاء النَّهي عن الصَّلاة عند القبر [6]، بل لا تجوز الصَّلاة إليها [7]، فكيف بالصلَّاة عندها ! .[8]
قال بعض أهل العلم: إنَّما نُهِيَ عن الصَّلاة في المقبرة مِن أجل النَّجاسة؛ لأنَّ فيها صديد الموتى [9]، وهذا تعليلٌ ضعيف جدًا، فإنَّ هذا يقتضي أنَّ النَّهي مختص بالمقبرة القديمة، المثارة والمنبوشة، أو شيء مِن هذا .[10]
أمَّا هذا النَّهي: فعام، في المقبرة الجديدة أو القديمة، نُبِشَتْ أو لم تُنبَش، حُفِرت أو لم تُحفر.
والنَّهي عن الصَّلاة في المقبرة، أو عند القبور: هو مِن باب سدّ الذَّرائع [11]، فالتَّعبّد بالصَّلاة عند القبر بدعة، ذهابُ الإنسان ليصلّي عند قبر ما، نقول: هذا بدعة ووسيلة إلى الشّرك . [12]
وتابع عمرو بن يحيى: عمارة بن غزية، عن يحيى بن عمارة، عن أبي سعيد به: أخرجه ابن خزيمة 792، والحاكم 920
وخالفهم جميعًا: سفيان الثوري؛ فرواه عن عمرو بن يحيى، عن أبيه مرسلًا: أخرجه أحمد 11788، وابن ماجه 745
وأخرجه الشافعي في "المسند" ص20 عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن يحيى، به، مرسلًا.
ورجَّح الترمذي المرسل؛ فقال عقب حديث 317: " هذا حديث فيه اضطراب.. وكأن رواية الثوري، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أثبت وأصح". وقال في "العلل الكبير" 113: "والصحيح رواية الثوري وغيره، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه مرسل". وقال الدارقطني في العلل 2310: " والمرسل المحفوظ".
وللحديث شاهد من حديث عبد الله بن عمرو، ومن حديث علي. ينظر: "نصب الراية" 2/324، و"البدر المنير" 4/119، و"التلخيص الحبير" 1/658، و"الدراية" 1/246، و"الجوهر النقي" 2/434، و"صحيح أبي داوود" 507، و"إرواء الغليل" 1/320