الرئيسية/فتاوى/كيف علم إبليس أن آدم وبنيه سيكونون في الأرض قبل أن يأكل آدم من الشجرة

كيف علم إبليس أن آدم وبنيه سيكونون في الأرض قبل أن يأكل آدم من الشجرة

السؤال :

في قوله تعالى فيما قصَّ علينا مِن قول إبليس لما امتنع من السجود لآدم عليه السلام:  قَالَ ‌رَبِّ ‌بِمَا ‌أَغْوَيْتَنِي ‌لَأُزَيِّنَنَّ ‌لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [الحجر: 39]، وقال: قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ‌لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:62]، وقال: قَالَ ‌أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الأعراف:14]، وقال الله للملائكة قبل خلق آدم :{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ ‌خَلِيفَةً ‌قَالُوا ‌أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ [البقرة:30] . فدلَّت هذه الآيات على أن إبليس كان يعلم أن آدم وبنيه سيكونون في الأرض، كما دلَّت على أنَّه يعلم أنَّه سيكون لآدم ذريَّة، ودلَّت على أنه كان يعلم أنَّ بقاء آدم في الجنَّة التي كان فيها ليس مؤبدًا، وإنَّما سيكون هناك بعثٌ وقيامةٌ، فكيف عرفَ ذلك مع أنَّ ذلك كلّه قبل أن يأكل آدم من الشجرة، كما صرَّحت الآية الأخيرة بأنَّ هذا الخليفة سيكون في الأرض، وذلك قبل خلقه؟

الحمد لله، وصلَّى الله وسلم على محمد، أما بعد:

فإنَّ الله ذكر قصة آدم مع الملائكة ومع إبليس في سبع سور من القرآن، مبسوطةً في سورة البقرة والأعراف والحجر وص، ومختصرةً في الإسراء والكهف وطه، مع تفاوت في هذا البسط والاختصار، وما اشتملت عليه القصة من الأخبار؛ فمنه ما اطَّرد في جميع المواضع، كأمر الملائكة بالسجود لآدم، ثم سجودهم له، وإباء إبليس، ومنها ما لم يُذكر إلا في بعض المواضع، كإسكان آدم وزوجه الجنة، ونهيهما عن الأكل من الشجرة، وإغواء إبليس لهما، فلم يذكر ذلك إلا في البقرة والأعراف وطه، ومن ذلك احتجاج إبليس بامتناعه من السجود، وتهديده آدم وذريته بالإغواء، كما في الأعراف والحجر والإسراء وص.

وقد تضمَّنت القصة في مواضع مختلفة أنَّ الله أطْلَع الملائكة على بعض ما سيكون من أمر آدم وذريته، كما في قوله تعالى: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ[البقرة:30]، وأطْلَع إبليس على أن آدم ستكون له ذريَّة، ولذا هدَّدهم بالإغواء، كما في قوله: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ[ص:82-83]، وقوله: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ[الأعراف:16]، وقوله: لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ[الحجر:39]، كما أطْلَع الله إبليس على أن ذرية آدم يحيون ثم يموتون ثم يبعثون، ولذا طلب النظرة إلى ذلك.

والذي يظهر أنَّ ذلك كلَّه كان قبل إسكان آدم وزوجه الجنة، ونهيهما عن الأكل من الشجرة، وتحذيرهما من عداوة إبليس، وإغواء إبليس لهما، ممَّا استتبع إهباطهما وإهباط إبليس إلى الأرض، كما في سورة البقرة والأعراف وطه.

وقد ذكر السائل الفاضل في سؤاله عِلمَ إبليس بذلك، ولكنه عقَّب عليه بقوله: “فكيف عرف إبليس ذلك؟”، وهذا سؤال لا وجه له! فما عَلِمت الملائكة ولا عَلِم إبليس شيئًا من غيب الله إلا بإعلامه تعالى لهم، وليس لنا أن نقول: كيف أعلمهم؟ فإنه تعالى أعلمَهم بما شاء، كيف شاء، بإلهام أو بخطاب، فالله أعلم بما كان من ذلك، وما عَلِمنا نحن شيئًا ممَّا جرى إلا بوحيٍ من الله المنزَّل على رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ونقول كما قالت الملائكة: سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ[البقرة:32]. والله أعلم.

 

أملاه:

عبدالرحمن بن ناصر البراك

حرر في 14 المحرم 1445هـ