الرئيسية/فتاوى/متى عَلِم لوطٌ عليه السلام أن الملائكة جاءوا لإهلاك قومه

متى عَلِم لوطٌ عليه السلام أن الملائكة جاءوا لإهلاك قومه

السؤال :

قال تعالى مخبرًا عن قول الملائكة للوط عليه السلام في سورة العنكبوت: وَلَمّا أَن جاءَت رُسُلُنا لوطًا سيءَ بِهِم وَضاقَ بِهِم ذَرعًا وَقالوا لا تَخَف وَلا تَحزَن إِنّا مُنَجّوكَ وَأَهلَكَ إِلَّا امرَأَتَكَ كانَت مِنَ الغٰبِرينَ [العنكبوت:33]، وفي سورة الحجر: فَلَمّا جاءَ ءالَ لوطٍ المُرسَلونَ إلى قوله: وَقَضَينا إِلَيهِ ذٰلِكَ الأَمرَ أَنَّ دابِرَ هٰؤُلاءِ مَقطوعٌ مُصبِحينَ * وَجاءَ أَهلُ المَدينَةِ يَستَبشِرونَ [الحجر:61-67] إلى آخر الآيات.

فقد يُفهم من ظاهر الآيتين أنَّ الملائكة أعلموه منذ أول مجيئهم أنهم جاؤوا لإهلاك قومه، وفي سورة هود:  وَلَمّا جاءَت رُسُلُنا لوطًا سيءَ بِهِم وَضاقَ بِهِم ذَرعًا وَقالَ هٰذا يَومٌ عَصيبٌ * وَجاءَهُ قَومُهُ يُهرَعونَ إِلَيهِ وَمِن قَبلُ كانوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قالَ يٰقَومِ هٰؤُلاءِ بَناتي هُنَّ أَطهَرُ لَكُم فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخزونِ فِي ضَيْفِي أَلَيسَ مِنكُم رَجُلٌ رَشيدٌ إلى قوله : قالَ لَو أَنَّ لي بِكُم قُوَّةً أَوْ آوِي إِلىٰ رُكنٍ شَديدٍ * قالوا يٰلوطُ إِنّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلوا إِلَيكَ فَأَسرِ بِأَهلِكَ بِقِطعٍ مِنَ الَّيلِ وَلا يَلتَفِت مِنكُم أَحَدٌ إِلَّا امرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصيبُها ما أَصابَهُم إِنَّ مَوعِدَهُمُ الصُّبحُ أَلَيسَ الصُّبحُ بِقَريبٍ [هود:77-81]، فظاهر هذه الآيات قد يُفهم منه أنه لم يعلم أنهم جاؤوا لإهلاكهم إلا بعد مجيء قومه ومحاورته لهم، فما توجيه ذلك؟ أحسن الله إليكم، ونفع بكم.

 

 

الحمد لله، وصلى الله وسلم على محمد، أما بعد:

فالأمر كما ذكر في السؤال؛ فالرسل الذين جاؤوا إلى لوط -عليه السلام- ذُكروا في السُّوَر الثلاث: هود والحجر والعنكبوت؛ فلوط -عليه السلام- علم من أول وهلة أنهم رسل؛ لخبرهم، كما في سورة الحجر أنه أنكرهم أوَّلًا كما أنكرهم إبراهيم، قال تعالى في الحجر: فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61) قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62) قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63) وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ[الحجر:61-64]، وفي سورة العنكبوت وهود أظهر لوط عليه السلام الخوف عليهم من قومه؛ فقال كما في هود: هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ[هود: 77]، ولذا قالوا له كما في سورة العنكبوت: لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ[العنكبوت:33-34].

وهذا كلُّه قبل عِلم قومه بهم ومجيئهم إليه؛ لغرضهم الخبيث، وليس في شيء من ذلك ما يشكل إلا في قول الرسل في سورة هود: إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ[هود:81]، وغاية الأمر في هذا أنهم قالوا له ذلك لتأكيد الأمر، ولمزيد اطمئنانه، ولذا قالوا: إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ[هود:81]، ولعل المعنى: إنهم لن يصلوا إلينا في حاجتهم، قال ابن جرير في معنى الآية: “إنهم لن يصلوا إليك وإلى ضيفك بمكروه، فهون عليك الأمر” اه[1]ـ، ثم أمروه بما يُراد منه أن يفعله من الإسراء بأهله، وأخبروه بما سيُفعل بقومه. والله أعلم.

 

أملاه:

عبدالرحمن بن ناصر البراك

حرر في 20 المحرم 1445هـ

 

[1] تفسير الطبري (12/514).